الجمعة، 7 مايو 2010

أحمد زكي بدر: العلاج بدون مسكنات

  بقلم كمال عامر

الناس في مصر أجمعوا علي أن هناك مشاكل تواجه التعليم. حددوها في عدد من العناصر.. مدرسة غير مكتملة.. مناهج محشوة وكتب أحدثت بلاهة وأصابت التلاميذ بتشوه جسدي! الحكومة والمعارضة اتفقتا علي أن الدروس الخصوصية آفة. والمعلم لأي سبب من الأسباب غير مؤهل للعملية التعليمية لأنه يعاني من ضيق ذات اليد..

المعارضة قبل الحكومة ومنذ سنوات عديدة. تقود عملية التغيير والإصلاح في قطاع التعليم...الحكومة بدورها تحاول بكل الطرق الإصلاح، وسط أزمات عديدة تؤثر في هذا النهج والأحوال المالية للمدرس أول أسباب حال المدرس..

المعارضة تطالب - ومازالت -بتحركات حكومية حقيقية لإصلاح التعليم خاصة أن هذا العنصر يؤثر بدون شك في مستقبل الوطن..ولو نظرنا حولنا نلاحظ أن الدول الغنية مالياً تهتم جداً بالتعليم.

بل إن دولاً مثل ماليزيا والهند وقطر والسعودية وحتي الجزائر جعلت منه مشروعاً وطنياً بحق.

خصصت له المليارات من الدولارات وسهلت علي راغبي العلم السفر للخارج للدراسة وتحملت نسبة كبيرة من تكلفة البعثات التعليمية..

في الجامعة الأمريكية بالقاهرة منح دراسية مجانية من حكومات عديدة لطلابها للحضور للقاهرة للدراسة في مصر، العملية معقدة جداً. وأزمة التعليم موروثة ومنذ ثورة يوليو.

ولاشك أن وزراء التعليم كانواعلي علم ودراية بكل دقائق وتفاصيل المشاكل التي تواجه العملية التعليمية في مصر والتهديدات التي تشكلها بالنسبة للمستقبل.. وبدون شك هناك محاولات تبذل لتصحيح تلك الأوضاع..

سواء بتنقية المواد الدراسية أو نسخ تجارب الآخرين والأكثر تقدماً في هذا الشأن. مروراً بالمدارس وبمن فيها المعلم أو العامل البشري.

.. هذه مقدمة كان لابد منها لننشط ذاكرتنا معاً بأن الشكوي من التعليم عامة ولا تخلو أي مطبوعة من خبر في هذا السياق.

إذا كنا بالفعل راغبين في الإصلاح خاصة المعارضة التي لم تهدأ عن المطالبة بالإصلاح فما هو تفسير الهجوم علي د. أحمد زكي بدر وزير التعليم لمجرد أنه زار مدرسة بدون مقدمات أو كما تقول لم يخطر أحداً بالزيارة أي دون تشريفة أو صولجان.

كان معه التليفزيون وهو هنا لم يخطئ.. المهم أن وزير التعليم اطلع بنفسه علي حال إحدي المدارس.. وفقد أعصابه.. ولوكنت مكانه لربما فقدت أعصابي ماذا كنتم تريدون من أحمد زكي بدر عندما يشاهد التراب علي الأرفف وعلي أجهزة الحاسب الآلي وأن هناك مدرسين لم يحضروا وناظراً متغيباً؟.. ماذا كنتم تنتظرون من الرجل المسئول عن التعليم تجاه هذا الجزء الأسود من العملية التعليمية؟ هذا الاستهتار من جانب العامل البشري ليس له أي علاقة بالأجور أو غيرها.

لأن هناك مسلمات ومهام محددة يجب أن يؤديها المدرس. لا أقول أن يبدع ويبحث ويجتهد في عملية التواصل مع الصغار.. ولا أطالبه بأن حضرته يراعي ضميره مع هؤلاء.

لكن علي الأقل أن يتواجد.. الصورة السوداء التي ظهر بها عدد من المدرسين أمام أحمد زكي بدر أثناء زيارته الميدانية مؤلمة..

وقد اندهشت لأن بعض المعارضين لم يسعدوا لموقف وزير التعليم وقراراته ضد غير الملتزمين من أعضاء هيئة التدريس وشنوا حملة ضد الوزير اتهموه فيها بالمظهرية. ثم إنه يعاقب الغلابة.. و..و.. و بل إن الفضائيات دخلت هي أيضاً علي الخط وعينت من نفسها قوة مساندة للمدرسين وكأنها ترفض البدء في الإصلاح علي الأقل بدفع المدرس للحضور لمدرسته ولم أقل للإبداع!!

جانب من المعارضة ومع الأسف وفي هذا الموقف بالذات تأكد لي أنه لا يبغي إصلاحاً.. ولا محاصرة فساد ولا خطوات للعلاج.. بل كل ما يشغله أن تظل النيران مشتعلة في كل مكان لتجد كلمات وعناوين لهجومها علي الحكومة..

كنت أتصور أن تشيد المعارضة قبل الحكومة بالوزير أحمد زكي بدر وتطالب بالمزيد من الزيارات الميدانية غير المعلنة ربما بهذه الطريقة ينجح علي الأقل في تحريك المياه الراكدة للعملية التعليمية المؤلمة.

كنت أتصور أن تهب الحكومة للدفاع عن وزير شجاع تصرف بتلقائية دون النظر لأي مكاسب أو خسائر لتلك الزيارات، ولو كان الرجل من نوعية الوزراء الراغبين في تحقيق شو أو نجاح إعلامي لربما اتخذ استراتيجية أخري وهو يعلمها جيدًا أو علي الأقل يحصل علي نصيحة زميل له في الحكومة بفعل ذلك.

أحمد زكي بدر ومن خلال متابعتي الدقيقة له منذ رئاسته لجامعة عين شمس رجل قوي، شجاع، غير مهتم بالجلوس علي كرسيه، بل أعلن منذ أن تولي منصبه بأنه يعلم أن أيامه في الوزارة معدودة، أي أن شجاعة الرجل في هذا أحرجت العديد من وزراء حكومة د. أحمد نظيف والذين يضعون في اعتبارهم من خلال تصرفاتهم عدم إزعاج الآخرين، بل إن بعضهم يقيم علاقات وطيدة مع صحف المعارضة مستخدمًا أقلاماً منها للنيل من وزراء آخرين، والعملية معروفة للعديد من الجهات.

أنا حزين جدًا وأشعر بالغضب تجاه بعض الأصوات التي تهاجم أحمد زكي بدر علي ما فعله من عدم انضباط لعدد من المدرسين في إحدي المدارس بنقلهم كعقاب لعدم الالتزام.

إذا كنا بالفعل حكومة ومعارضة لدينا هدف واحد أو مشترك علي الأقل بشأن ضرورة علاج مشاكل العملية التعليمية في مصر فيجب أن نساند أحمد زكي بدر ونساعده في فرض القانون والأصول علي المدارس. ومعاقبة المقصرين.

وقد تكون تلك بداية لإصلاح شامل لتلك المنظومة التي سندفع ضريبة تدهورها من مستقبل أولادنا ومستقبل بلدنا.

الجديد في خطوات د. أحمد زكي بدر هو جرأة المسئول علي اقتحام عش الدبابير بنفسه وليس عن طريق غيره. لقد شعرت بالحزن لأن بعض الأصوات المعارضة رأت في موقف الوزير إهانة للمدرسين وشطارة علي الغلابة منهم. يا سادة كنت وغيري أتوقع تأييدًا ساحقًا لشجاعة الوزير ولقراراته المصححة لواقع أجمعنا علي ضرورة إصلاحه وأهمية ذلك في أسرع وقت.

يا سادة: ماذا سيحدث لو أن وزير التعليم قد اتخذ قرارات رادعة بشأن الدروس الخصوصية مثلاً و«سنتراتها» المنتشرة في مصر كلها وأنا شخصيا أحد الذين يدفعون لأولادهم مقابل ذلك؟ ماذا سيحدث لو أن د. أحمد زكي بدر اتخذ قرارًا بشأن المناهج وأغلق المدارس التي لا تتوافر فيها مقومات العملية التعليمية الصحيحة؟

يا سادة: موقف بعض المعارضين من شجاعة أحمد زكي بدر يدفعني لطرح سؤال: ماذا نريد بالضبط من الشعارات التي نرفعها بشأن تطوير التعليم وعلاج مشاكله المستعصية.. ساندوا وزير التعليم ليستمر في شجاعته ضد فساد العملية التعليمية؟ وإذا كان المثل الشائع يقول «ابدأ بالرأس» فالحقيقة أن أحمد زكي بدر بدأ ينظم «البطانة» الموجودة حول منصب الوزير.

ويحاول في نفس الوقت اتباع خطوات إصلاح أخري خارج سور الوزارة! علي العموم هناك حالة من الارتياح بين الناس لشجاعة أحمد زكي بدر في معالجته لملفات الفساد الموجودة في هذا القطاع والتعامل معها بأسلوب جراحي وبالمشرط، ولأننا متعودين علي «الطبطبة» و«معلش» و«آدي راسك أبوسها» و«المسامح كريم» وهي قواعد أوصلتنا إلي ما نحن فيه من مشاكل وقضايا وتدهور الأمر هنا دفع البعض منا مؤيدين ومعارضين إلي عدم تقبل خطوات أحمد زكي بدر الجريئة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اترك تعليق هنا