الجمعة، 7 مايو 2010

فن أختــلاق الأزمــات‮ ‬

بقلم كمال عامر نائب رئيس تحرير روزاليوسف



الإعلام المصري يمتلك مساحات إرسال أو كتابة شاسعة،‮ ‬وكل مسئول في جريدة أو محطة فضائية أو‮ ‬غيرهما يحاول بكل الطرق أن يجعل من نافذته هي الأكثر جذبا للمشاهد أو القارئ‮.‬

في المقابل الأحداث في مصر والعالم العربي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تغطي أو تشبع رغبات قيادات تلك المنابر الإعلامية،‮ ‬وأيضاً‮ ‬الخلاف بينها يدفع كلاً‮ ‬منها إلي البحث عما يليق بهذا المنبر أو‮ ‬غيره وهو ما نطلق عليه أجندة المطبوعة أو المحطة‮.. ‬ولا شك أن هناك خلافاً‮ ‬واختلافاً‮ ‬واضحاً‮ ‬بين الأجندات من هنا نجد أن لكل مطبوعة رؤيتها وفلسفتها وتوجهها ومصالحها أيضاً‮.. ‬

اللافت أن الإعلام المصري بكل اتجاهاته لا يعترف بأي حدود مشتركة حتي لو مساحة بسيطة،‮ ‬لذا نلاحظ التعارض والتقاطع‮.‬

ونظراً‮ ‬لأن الحركة السياسية عادة ما تكون المحرك الأساسي أو الرافد الأهم في تشكيل الشكل للمنبر الإعلامي واتجاهاته ومن الملاحظ أن الحركة السياسية في مصر لا تتلاءم مع احتياجات تلك المنابر،‮ ‬الأمر الذي دفع ببعض الجهات الإعلامية إلي عمل ما نطلق عليه صناعة أو أفتعال أزمة أو إطلاق بالونة اختبار ونسج سيناريو حولها وتغليف تلك البالونة بألوان تجذب المتلقي‮.. ‬وقد ينجح صاحب المنبر الإعلامي هنا في شغل مساحة إعلامية بالحدث وبالتالي انشغال الناس دون النظر بحقيقة ماهية هذا الحدث أو مدي جديته أو الفوائد التي قد تعود علي المشاهد أو الناس بذلك النقاش الذي يدور‮.. ‬المهم أن المواطن قد يكتشف زيف تلك البالونة وبالتالي يتأكد عنده أن هذا المنبر الإعلامي والذي أصطنع المشكلة ما هو إلا أحد المتهمين بخداع الناس الأمر نجده في السياسة والاقتصاد وبشأن قضايا المجتمع المختلفة‮.‬

عدد من القضايا المثارة علي الساحة السياسية أراها تأتي تحت تلك اللافتة مثل إشاعة ترشيح د‮. ‬محمد البرادعي لرئاسة مصر،‮ ‬وأيضا صفقة الحزب الوطني الديمقراطي وحزب الوفد والاضرابات العمالية ومحاولة تشويه الاستثمار والنيل من بعض الوزراء عن طريق جذبهم إلي معارك مصطنعة بغرض تصدير حالة من‮ "الإرباك‮" ‬مستخدمين عدداً‮ ‬من الأساليب المعروفة‮.. ‬وأيضا سعي البعض لربط عدد من الملاحظات بشأن الخصخصة بالمستثمرين العرب دون‮ ‬غيرهم‮!!‬ د‮. ‬محمد البرادعي أحد المصريين المميزين الذين دافعوا عن حقوق الإنسان بأن يعيش آمناً‮ ‬دون أخطار نووية وهو رجل معروف عالمياً‮ ‬وكلنا كمصريين شعرنا بالفخر لدوره في فرض الأمن والسلم علي دول العالم‮.. ‬ولكن بعض المنابر الإعلامية في سعيها إلي شغل المساحات دفع الرجل دفعاً‮ ‬إلي انتزاع ترشيحه لمنصب الرئيس،‮ ‬وبدأ عدد من المعارضة استغلال هذا الموقف بالسعي إلي‮ "تهييج‮" ‬الشارع للالتفاف حول هذا الطرح‮.. ‬واللافت أن تلك الدعوة صاحبتها دعوات أخري لتغيير بعض مواد الدستور وهي بداية تعقبها دعوات أخري قد تمتد إلي شكل النظام وكيفية إدارة الدولة،‮ ‬ومازلنا كل يوم يطلع لنا معارض بآراء جديدة وطروحات جديدة في هذا السياق‮.‬

أنا هنا لست ضد ترشيح أي شخص‮ ‬يري في نفسه القدرة علي خدمة الوطن لأي منصب وفقاً‮ ‬للشروط العامة وخضوعاً‮ ‬للشكل القانوني المنظم لها‮. ‬

والمعارضة في هذا الشأن كان من الممكن أن تواصل طلبها تغيير الدستور في حدود حجمها والأدوات التي تمتلكها أو في يدها ثم بعد ذلك تمنح دعمها لمن تراه تنطبق عليه الشروط‮.. ‬لكنها هنا أرادت صنع أزمة لشغل المساحات المتوافرة لديها من هنا جاء تأييدها لفكرة البرادعي رئيساً‮ ‬وهي ليست مقتنعة بالفكرة،‮ ‬بل تحاول من خلالها تحقيق أي مكاسب خاصة أن شروط الترشيح للمنصب واضحة،‮ ‬كان من الممكن أن يكون لهذا الطرح صدي إيجابي لو أن تلك الأصوات سعت إلي تأصيل بأن الترشيح للرئاسة أو‮ ‬غيرها طبقاً‮ ‬لشروط الدستور وانشغلت علي الأقل ببذل المحاولة في إنطباق تلك الشروط أو تحقيقها لكنها في قضية الترويج للدكتور البرادعي كشفت عن ضعفها وقصر حيلتها في الحياة السياسية في مصر‮.. ‬من المهم أن نلفت النظر بأن زعماء حملة الترويج للبرادعي رئيسا لديهم قناعة تامة بضروة انطباق الشروط الدستورية علي أي مرشح لهذا المنصب أو‮ ‬غيره لكنها محاولة لشغل أوقات الإرسال‮!!‬

قضية أخري تفجرت بواسطة ألغام من بعض المنابر الإعلامية تلك التي توضح بأن هناك اتفاقاً‮ ‬انتخابياً‮ ‬أو صفقة بين الحزب الوطني وحزب الوفد بشأن الانتخابات المقبلة يسمح الوطني فيها للوفد بشغل‮ ‬23‮ ‬مقعداً‮ ‬في مجلس الشعب المقبل إجهاض محاولة الدفع بالبرادعي للترشيح لمنصب الرئيس،‮ ‬من المعروف أن اخباراً‮ ‬بهذا النوع عادة ما تنشر وتتسع قبل كل انتخابات تشريعية الأمر الذي وضحه حزب الوفد بإعلانه عدم صحتها والوطني أيضا لكن هذه الموضوعات توضح‮ أن بعض المنابر المعارضة تحاول تأديب الجهات التي ترفض منحها تفويضاً‮ ‬أو موافقة علي بياض أو تقف معها في صف واحد ضد الحزب الوطني أو الحكومة‮.. ‬المهم أن القارئ هنا أو المتلقي أصبح علي دراية بتلك الخطابات المسلية ولكنها شغلت أيضا مساحة من الوقت والتفكير وساعات الإرسال وأوراق الصحف‮.. ‬وتسير علي نفس المنوال قضايا الإضراب العمالي والهجوم علي المستثمرين‮.. ‬العملية لو أنها تحددت في ظلم عامل من الإدارة الجديدة للمصانع أو الشركات فالأمر معروف والحل محدد،‮ ‬لكن القضايا متشابهة بشأن الإضرابات العمالية أو الاحتقان العمالي‮.‬

أنا أري أن أصحاب المنابر أو المساحات الإعلامية يتحملون جزءاً‮ ‬واضحاً‮ ‬في صناعة تلك الأزمات،‮ ‬الحقيقة أن الدولة عندما كانت صاحبة‮ ‬100٪‮ ‬من الصناعات والشركات في ظل هذا النظام كان العامل يتمتع بكل الحقوق المشروعة أو‮ ‬غير المشروعة‮.‬

يحصل علي المكافآت والحوافز نتيجة ميزانيات كانت قيادات تلك الشركات ترفض أن تعكس الموقف المالي‮.. ‬كان الخوف من العمال أو علي الأقل محاسبتهم أمراً‮ ‬واضحاً‮ ‬كان العالم أكثر قوة وتأثيراً‮ ‬وحقوقه مضمونة سواء عمل أو لم يعمل‮.. ‬الحكومة باعت بعض الشركات إلي رجال أعمال وفد دفعوا المطلوب منهم مالياً‮ ‬بعد فوزهم بتلك الصفقات‮. ‬

رجل الأعمال مختلف عن الحكومة،‮ ‬الفلوس ثمناً‮ ‬للشركة دفعها من جيبه الخاص،‮ ‬والانفاق علي الشركة من جيبه الخاص حتي لو حصل علي قروض من البنوك‮.. ‬والرجل ـ وعنده حق ـ عاوز يكسب،‮ ‬وهو عادة ما يعلن لعماله‮.. ‬اشتغلوا واكسبوا وسوف أدفع لكم بجانب الأجور المزايا الأخري بما فيها الأرباح‮.. ‬وتبدأ نظرية البيضة ولا الفرخة‮.. ‬والعمال عاوزين فلوس ولا يهمهم أي عائد لصاحب العمل الجديد‮.‬

ورجال الأعمال قد يستجيبون جزءاً‮ ‬من الوقت لكنهم لن يستمروا في ضخ أموال بدون عائد‮.‬ الإعلام عندنا لديه مساحات خالية،‮ ‬وتلك القضايا تشغل الناس وتجذبهم‮.. ‬ويضاف أن كل منبر إعلامي لديه قضية مع وزير ما فالفرصة متاحة لتصفية الحسابات،‮ ‬الحكومة باعت الشركات والعمال أصبحوا يعملون عند المستثمر الجديد لكنهم لا يتخلصون من قناعات بأن الحكومة هي أفضل أب وأم طالما أنها تدفع دون أن تسأل العامل ماذا قدمت لتستحق عليه الدفع تأكيدا لما أقوله‮.‬

إن شركات الاستصلاح والري تحاول منذ عشر سنوات العودة إلي حضن ماما وبابا وهي الحكومة مرة أخري بعد أن وجدت تلك الشركات في ظل اتحاد المساهمين والخصخصة‮ ‬غير المتكاملة أنه لا أمل لها في الحياة أو الاستمرار علي الأقل في دفع الرواتب أتعلمون لماذا،‮ ‬لأنها في ظل اتحاد المساهمين أي الخصخصة لا يحق لها الحصول علي المناقصات بالأمر المباشر ولا التمتع بأي اعفاءات ووجدت نفسها وجهاً‮ ‬لوجه مع القطاع الخاص المتحرك في تلك العملية بحرية مشفوعة من أصحاب الشركات‮.‬

عندما استمعت إلي دعوة بعض المنابر الإعلامية إلي عودة المشروعات المباعة إلي حضن الحكومة أدركت أن هؤلاء أدركوا بالفعل أن أسهل طريقة للحصول علي كل المزايا المالية دون أي عوائق هو أن تكون تلك الشركات حكومية‮.. ‬أنا أشفق علي د‮. ‬محمود محيي الدين وزير الاستثمار لأن بعض خصوم الحكومة وجدوا في الخصخصة فرصة لتصدير الهجوم إلي الرجل ووزارته الأخطر أن بعض المنابر تحاول أن تربط بين تلك التوترات ورءوس الأموال العربية‮.‬

والحقيقة أن رأس المال العربي مرحب به في مصر وهو يعمل جنباً‮ ‬إلي جنب مع المصريين في مجالات تجارة التجزئة والسياحة وغيرها وقد نجحوا نجاحاً‮ ‬باهراً‮ ‬ولا داعي لسرد أسماء العشرات منهم‮.. ‬أنا شخصياً‮ ‬لا أتوقع أن يتوقف هؤلاء في البحث عن قضايا خلافية لشغل تلك المساحات الواسعة‮.‬

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اترك تعليق هنا