بقلم كمال عامر
عندما ندقق في حجم الاستثمارات الأجنبية في مصر بشكل عام، يجب أن نتوقف وندرس ونسأل: ما سر تواضع الأرقام؟ هل هذا ناتج عن مشاكل؟ وإذا كان هذا صحيحًا فما الجهة المسئولة؟ دون شك تحاول حكومة د. نظيف وبكل الطرق تهيئة جو الاستثمار لجذب المزيد من رءوس الأموال.. الأمر الذي جسدته حزمة الحوافز وغربلة القوانين والنظم. لكن رغم كل الجهود الحكومية، فالملاحظ عدم الاستجابة بصورة غير مرضية لدعوتها لجذب الاستثمارات! والأمر هنا يستحق وقفة، تعالوا نرصد.. مصر تملك كل مقومات النجاح لاستثمار مربح.. فالدولة مستقرة.. والحكومة جادة وكل عناصر العملية الاستثمارية بمصر متحركة وديناميكية لصالح الاستثمار والمستثمر.. ولدي قناعة بأن مصر تملك كل المؤهلات لتصبح نمرًا اقتصاديا في المنطقة العربية.. مصر تتمتع بمكان عبقري..
والحكومة مؤمنة بأن هذا النوع من الاستثمار هو طوق الإنقاذ.. ولكن هناك مع الأسف مجموعة عناصر يجب أن ندركها لتصحيح المسار.. وأهمها نقص الكوادر المطلوبة لتلك الصناعة.. مع عدم إيمان المواطن المصري بضرورة أن يشارك في صناعة هذه الحالة.
علينا كمصريين أن ندرك أن المستثمر الأجنبي عندما يحضر إلي بلادنا فقد جاء من أجل الكسب وهو أمر لا خلاف عليه في نفس الوقت سوف يترتب علي هذا الكسب عدد من التغييرات تصب دون شك لصالح الوطن والمواطن.. بدءًا من فرص تشغيل ومرورًا بتعظيم المدفوع لخزينة الدولة في صورة ضرائب أو غيرها حتي تصل في النهاية لأرقام تضاف لصالح التصدير أو غيره..
أري أيضًا أن الإعلام في مصر ما زال بعيدًا جدا عن لعب دور إيجابي لصالح الاستثمار بقصد أو دون قصد.. في الخارج نشر خبر غير صحيح ضد الاستثمار أو المستثمر.. يعني أن النهاية لصاحب الخبر مطبوعة أو منبرًا إعلاميًا إما السجن أو ملايين من الجنيهات تدفع لتعويض للمستثمر! في مصر الصورة فيها فلتان واضح والمسئول الحكومي وزيرًا أو غيره أمام خيار واحد.. إما أن يتماشي مع الإعلام مهما كانت نبرة المصداقية ومساحتها ليضمن علي الأقل عدم الشوشرة أو وجع الدماغ أو يصمت خوفًا من أن تصيبه أي كمية من الرذاذ، ومطلوب بذل مزيد من الجهد في هذا الشأن.. والأمر متروك للحكومة.
في قطر لاحظت أن الاستثمارات تتمتع بجانب كبير من الحماية الحكومية.. والإعلام يتعامل مع المشاكل الاقتصادية بالذات بحذر شديد لإيمانه بأن الأضرار قد يصعب علاجها فالإشاعات الإعلامية حول الاقتصاد أو الاستثمار أمر غير مقبول وخط أحمر والعالم أيضًا يأخذ بهذا التوجه.. أمر آخر جذب اهتمامي وتوقفت عنده أثناء زيارتي لقطر لمتابعة زيارة وفد رجال الأعمال المصريين والوزير رشيد إلي هناك وسألت نفسي: لماذا تنجح الكوادر المصرية في الخارج ولا تظهر هذا النبوغ في الداخل أي في مصر؟
طبعا الصراحة تقول إن الجو العام بمصر في بعض الحالات غير فعال تجاه رصد النبوغ.. لكن ما يقلل من ألمي وغضبي وجود عقول مصرية شقت طريقها إلي التميز وسط الأجانب والأهم أن حلمها ما زال أن تصبح مصر الأفضل اقتصادًا وأيضًا لديها أمل بأن ينعكس نجاحها بالخارج إلي شيئا مفيد لمصر.. أثناء اجتماع وفد رجال الأعمال المصريين إلي قطر برئاسة المهندس رشيد محمد رشيد وزير التجارة لفت نظر رجال الأعمال القطريين والمصريين أحد المصريين وهو يقدم للحضور نبذة عن شركته ومجال عملها وهو م. أحمد مكي عضو مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة G.B.I «بريدج انترناشيونال إنك» وهو كما علمت شاب مصري يحمل في عقله تطورًا وعملاً وفي قلبه حبًا وتقديرًا لكل ما هو مصري.. حدد هدفا له ولفريق عمل شركته بضرورة النجاح والتميز والتفوق وضع له كشخص أمل بالمساهمة في نهضة لمصر وشعبها كرد جميل لوطن يسيطر حبه عليه..
عندما كان يشرح عمل شركته في بناء وتشغيل كابل اتصالات بحري بتكنولوجيا الألياف الضوئية لربط جميع دول مجلس التعاون الخليجي الست والعراق وإيران بشبكة اتصالات حديثة وعالية السعة ومنها إلي العالم من خلال مسارين غربي يصل الشبكة بأوروبا من خلال الهند وشرقي لآسيا من خلال إيطاليا.. المشروع كما شرحه المصري أحمد مكي.. يمثل أول استثمار عربي في هذا المجال..
فكرة المشروع من تصميم وإدارة مجموعة من الشباب العربي يقودهم مهندس شاب مصري وهو م.
أحمد مكي وهو شعلة ذكاء تشعر بتصميمه وإصراره علي مساعدة مصر بكل الطرق لتأخذ المكانة التي تستحقها في عالم الاتصالات، وهو هنا يتحرك عن اقتناع بتحقيق هذا الهدف..
الأهم أن رجال الأعمال القطريين في اجتماعهم والوفد المصري لفت انتباههم شرح أحمد مكي وطلبوا أوراقًا حول المشروع وقد علمت بأن، اللافت أن فريق العمل في GBI يضم مجموعة من الكفاءات الإدارية منتقاة بعناية وتمثل ثقافات متعددة من جنسيات مختلفة، والاستشاري التقني للشركة هو البريطانية للاتصالات.. فريق عربي يقوده مصري نجح في إثارة رجال الأعمال المصريين والقطريين وجذب انتباههم عندما تحدث..
أنا هنا أوضح من خلال هذا المشهد أن مصر تملك عقولاً مميزة وكوادر مدربة.. لكنها لا تجد الحضانة اللازمة للتعرف علي تلك القدرات.. بلا شك هناك عدد من المعوقات هنا أو هناك تمنع أو تقف عائقًا أمام انطلاق مصر نحو استثمار يتيح لها احتلال ترتيب يليق بما لديها من إمكانات، هذه هي ما نطلق عليها حزمة المعوقات وهي تهزم عادة حزمة الحوافز التي أطلقتها حكومة د. أحمد نظيف لجذب رجال الأعمال والمستثمرين للعمل في مصر..
الحكاية ليست كلامًا أو مانشيتات جرائد أو تصريحات شبعنا منها.. لكن العملية تحتاج لخطط والأهم نشر ثقافة الاستثمار وكيفية تقديم المساعدة لنجاحه عن طريق التوضيح للإعلام وغيره من أصحاب العقول غير المدركة لأهمية هذا النوع من العملية التنموية وبأن قوة مصر تبدأ من الناحية الاقتصادية والبداية المساعدة بتسهيل الطريق أمام المستثمرين، وعلي مصر أن تفتح قلبها وعقلها للناجحين من أولادها خاصة إذا كان توجههم بالفعل لصالح الوطن اجذبوهم فهم سفراء احترمهم العالم ومن باب أولي أن تقدم لهم الاحترام والمساعدة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
اترك تعليق هنا