الخميس، 3 يونيو 2010

تركيا وإسرائيل بين المبادئ والمصالح

http://www.rosaonline.net/Daily/News.asp?id=6628 
بقلم كمال عامرنائب رئيس تحرير روزاليوسف
خرج الألوف في عواصم العالم مستنكرين لجريمة إسرائيل بالاعتداء علي أسطول الحرية لكسر الحصار علي قطاع غزة.. مجلس الأمن اجتمع وطالب بالتحقيق والجامعة العربية تحركت هي الأخري وحلف شمال الأطلنطي حيث اتهمت انقرة إسرائيل بممارسة إرهاب الدولة. القرصنة الإسرائيلية كشفت بوضوح أن إسرائيل دولة بوليسية قامت سياستها علي الإرهاب والقتل والبلطجة.

وأن حملات العلاقات العامة التي عادة ما تنجح فيها إسرائيل بين دول العالم «لتبييض» وجهها بعد كل جريمة ترتكبها في حق الشعب الفلسطيني أو غيره لم تكن لتنجح إلا بمساعدة القوي الكبري والغربية تحديدًا..

هذه المرة الشهداء يمثلون تركيا واعتقد أن المشهد مختلف خاصة في ظل تبريرات إسرائيلية لاطلاق النيران علي الفلسطينيين والعرب في دول أخري تنحصر في مقاومة الإرهاب لدرجة أن الضمير العالمي لم يعد يتحرك للرد علي إسرائيل إلا في حدود مظاهرة تضم عشرات من الغاضبين والحكومات الغربية وأمريكا عادة ما تكتفي بدور المتفرج ووصل الأمر لحماية إسرائيل لو أن الأمر انتقل للتجمعات الدولية.

تركيا لها علاقة وثيقة مع الكيان الصهيوني.. مناورات عسكرية مشتركة.. طيران إسرائيلي مسموح له بانتهاك الأجواء التركية للتدريب في أي وقت دون استئذان وعلاقات اقتصادية متميزة. واتفاق استراتيجي بين العسكريين في البلدين يتيح تبادل المعلومات! واصلاح دبابات وصناعة طائرات في المصانع الإسرائيلية لصالح تركيا.

في نفس الوقت ألاحظ أن هناك تناقضًا بين الخطاب الاعلامي التركي تجاه اسرائيل والذي يقوده رجب أوردغان رئيس الوزراء وحقيقة الموقف علي الأرض في الوقت الذي هاجم رئيس الوزراء التركي إسرائيل في البرلمان بعد الهجوم البربري للجيش الإسرائيلي علي السفينة التركية «مرمر» والذي نتج عنه سقوط 15 شهيدًا علي الأقل معظمهم اتراك.

إلا أن الشارع التركي مازال غاضبا وهو ينظر إلي ازدواجية السياسة التركية تجاه إسرائيل ففي المؤتمرات الاعلامية والتجمعات التي تتابعها العيون وتليفزيونات العالم نجد الساسة الاتراك يتحدثون بنبرة حادة عن إسرائيل وتصرفاتها وعكس ما يحدث في الحجرات المغلقة وهو ما دفع البعض إلي تحديد خط سير العلاقة التركية والدولة الإسرائيلية بالشد والجذب علنا كترضية للجماهير العربية والمسلمة والحصول علي مساحات في الشارع في نفس الوقت العمل علي خصوصية العلاقة المشتركة بين البلدين هذا معناه بوضوح أكبر: اللعب علي مشاعر العرب والمسلمين علنا.. والسير قدما في البحث عن كل ما يربط تركيا بإسرائيل بعيدا عن العيون هكذا استحقت تركيا أن تكون وسيطًا للسلام بين سوريا إسرائيل، وبين حماس وإسرائيل، وهذا التفويض الإسرائيلي لتركيا ما كان يحدث لو لم يكن هناك تفاهم ورؤية مشتركة بين الجانب التركي والإسرائيلي في معظم المجالات.

الشارع التركي والعربي والعالمي ينتظر التحرك التركي العلني تجاه ما حدث لدعاة السلام علي يد إسرائيل.. أردوغان بدوره لم يترك المناسبة وشن هجومًا علنيا علي إسرائيل امام برلمان بلاده. إنه صراع ما بين المصالح والمبادئ مصلحة تركيا كما يراها أردوغان مع إسرائيل.. في نفس الوقت تحتم المبادئ علي تركيا في هذه الحالة مواصلة الدفاع عن الشهداء الاتراك الأمر وصل إلي أن الدم التركي لم يكن من حماس أو اللبنانيين أو حتي من الفلسطينيين..الآن الضحايا أتراك!!

أردوغان في موقف صعب.. هناك رهان وأسئلة مشروعة كلها محصورة في كيف سيخرج رئيس الوزراء التركي من تلك الورطة الإسرائيلية الصنع؟ هو مطالب بأن تكون أقواله منسجمة مع أفعال حكومته تجاه إسرائيل. وفي ظل هرولة الحكومة التركية لخطب ود إسرائيل، المراقب لهذا الوضع يتوقع تصعيدًا سياسيا سطحيا مع تركيا تجاه إسرائيل لامتصاص غضب الشارع التركي علي الأقل واعتقد أن هذا التصعيد لن يؤثر بأي حال من الأحوال علي التعاون الاستراتيجي العسكري والاقتصادي بين أنقرة وتل ابيب.

السؤال: هل ستذهب تركيا في معالجتها لأزمة الاعتداء الإسرائيلي علي سفينة قافلة الحرية «مرمر» إلي أبعد من الشجب والهياج الاعلامي والسياسي؟ وهل أردوغان سيعيد بالفعل ترتيب أوراق بلاده مع إسرائيل، بجعل كل الخيارات مفتوحة أمام حكومته؟ أم أنه كعادته يعرف جيدًا أن للغضب حدودًا ولرد الفعل حدودًا وأن عملية الضحك علي الشعب التركي والعربي والمسلم يجب أن تقتصر علي التصريحات دون المساس بالمصالح.

اختيار صعب لرئيس وزراء تركيا من جراء هذه الأزمة لم يكن يتوقع أن يواجه نفس الموقف الصعب الذي كان «يزايد» عليه ضد مصر وغيرها من الدول.. لقد شرب من نفس الكأس وعليه أن يقدم حلولاً ويقدم علي تصرفات مختلفة.

أياً كان رد الفعل التركي يجب علينا أن ندين هذا العدوان الإجرامي من جانب إسرائيل علي مدنيين عُزل كل ذنبهم أنهم أرادوا توصيل رسالة للعالم بأن هناك حصارًا غير مشروع علي شعب أعزل في فلسطين.. إدانة الشوارع لا تكفي فالذاكرة مازالت تحتفظ بالرافضين للحرب علي العراق وهم يسيرون بالألوف في شوارع لندن وباريس ونيويورك ومدريد ورورما والأزهر وغيرها. لأن هذا السيناريو لم يعد مقنعًا والدليل أن تدمير العراق سار في خطة لم تتأخر عملية التنفيذ ولو ساعة.

هل جاء الوقت ليتحرك ضمير الحكومات وهو غير ضمير الشعوب؟ هل جاء الوقت ليقول العالم للدول للدولة الإسرائيلية كفي؟ هل يتسم الضمير الحكومي ولو مرة بالجرأة ويحاسب إسرائيل علي هذه الجريمة الواضحة المعالم؟ أم أنها ستكون حكاية أو جريمة تضاف لقائمة جرائم بدأت من كفر قاسم، قانا، غزة ولم تتحرك بعدها الحكومات لتقول لإسرائيل ولو كلمة كفي!! 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اترك تعليق هنا